Editor-in-Chief : Dr.Azher S Saleh


Almanar Cultural Journal

منتدى كتّاب المنار الثقافية الدولية
كتابات حرة

مسالب الإستعمار – رامي الحلبي

467124455 1223663962273589 3210633242734806688 n

قصة المعطف ل(نيقولاي غوغول) تصدر لنا بؤس رجل إهتم بمظاهر الحياة و كرس لها كامل أحلامه، مثلنا في عالم ثالث بأفكار مشوهة لا سلطة لنا على الحلم، إذ نواجه واقع لا يمنحنا فرصة للتفاوض معه، من تقشف لتقشف للوصول إلى مظهر الحياة لا أكثر، بؤس يرى فيه الأدب الغربي بشكل عام ضالته وطريقه إلى عقول جمهوره، فنحن أمام منطق ثنائي وما بين الأدب في شرق أوربا وغربها، فالبؤس في قضية المعطف يدعوك للتأمل في مسالب الإمبريالية الغربية من الجانب الأوروبي، حيث التأثير البالغ لسطحية الإنسان والتى في النهاية حولته إلى شبح منتقم في ازقه سان بطرس بيرج، 

متعاملا بمنطق القوة في الإنتقام هنا في شرق القارة، أو منطق القوة في البقاء والتفرد في غرب أوربي إتخذت منه أميركا بداية الإنطلاق كقوة عظمى مهيمنه في العالم، فالإنسان هو الإنسان في كل مكان حتى يجد دافع ليهيمن، والقسم الأخير من الحرب العالمية الثانية وقضية اليهود خلالها أكبر كاشف لهذا الحراك، كانت أكبر الهجرات اليهودية إلى فلسطين من روسيا والشرق الأوروبي حتى أن سلسال القادة في صلب الكيان الغاصب لأرض الشهداء من أصول أوكرانية و بولندية على وجه الخصوص، وأكبر الجمعيات اليهودية المسؤولة عن توطين اليهود في فلسطين كانت ولازالت تتخذ من موسكو مقر لها، هي مشكلة أوروبية بإمتياز، تتلخص في فكرة الخلاص من يهود أوروبا الشرقية التعساء الفقراء و إلقائهم بعيدا عن النفوذ اليهودي في الغرب من القارة العجوز، ففكرة وطن قومي لليهود كانت في البداية فكرة الخلاص من مشكلة كانت لتجر القارة الغنية إلى الحضيض، قبل الهولوكوست دأبت هجرة معاكسة لليهود النافذين إلى أميركا من الغرب الأوروبي وقد كونوا مجتمعات إقتصادية كبيرة في الشرق الأميركي، منها نيويورك عاصمة التجارة الأمريكية ومركز العالم الثقافي، حتى أن البنك الفيدرالي فيها ملك لعائلات يهودية نافذة عكس البنوك المركزية في جميع الدول الأخرى تحت قيد سلطات تلك الدول، وهذا هو الشكل الأعمق للحل الذي وجده الغرب ضالة الحل ليهود نازحين من الشرق كانوا ليكونوا عالة على مجتمعاتهم الغربية ، والتخلص من المشكلات الكبرى وتصفيرها هو أهم مسالك العلمانية حتى تفرض ذاتها، تشكل هذا المبدأ كأسلوب تعامل تاريخيا وتمثل في سحق المنافسين وازاحة تأثيرهم المنافس للرأس مالية، وهو مبدأ إستعماري يتلخص في هيكلة الأسواق الإستهلاكية بما يستوعب الإنتاج الرأس مالي، وفي كل فرصة يتحين للغرب تغير الخريطة الإستهلاكية في العالم بما يلائم أهدافهم الإنتاجية، في الشرق الأوسط وعلى مدار التاريخ جائت الحملات الصليبية لتغيير واقع الشرق الأوسط، من لويس التاسع وقبله وحتى حرب الخليج والعراق وأفغانستان وحتى الضربات الأمريكية الصهيونية على إيران حملت شعار واحد (تغير الشرق، شرق جديد، الشرق الأوسط الجديد)، فلكي تنتج الرأس مالية لابد أن تسيطر على الأسواق، والشكل الكلاسيكي من هذه الهيمنة مازلت فرنسا أهم رموزه، فشمال غرب وغرب القارة الإفريقية مازال إلى الآن سر البقاء الفرنسي في إقتصاد القارة الأوربية قوة معول عليها، بلا أي منجم ذهب تحوى الخزائن الفرنسية أكبر إحتياطي منه في العالم، والطريقة مفهومة، حارس مالي أو تشادي على منجم إفريقى يتابع تصدير الخام من الذهب للخزائن الفرنسية ويمنع بني جلدته حتى من فهم الأمر وطرح السؤال، لماذا…؟.

وكل هذا بعض من غثاء كبير جدا يلخص الحالة الغربية في تصدير البؤس للعالم دونهم، تصدير الأفكار التي تجعل من الرجل الأبيض ذو العين الزرقاء في الغالب صاحب الكلمة المهيمنة، في معرض حديثة ردا على تهديد أميركا لبلاده، ودفاعا عن ادعاءات التدخل في فنزويلا الجارة، قال الرئيس الكولومبي، أن تجار المخدرات في ميامي فلوريدا وبجانب بيت ترامب نفسه وليسوا في مراكب النفط والتجارة عرض البحر الكاريبي،  حيث تتعامل أميركا بالمبدأ القديم للإمبريالية الغربية،الإزاحة والسحق، وكما تعاملت مع مشكلاتها الداخلية على مر تاريخها، سحق السكان الأصلين بمحوهم، و ابتلاع مشكلة الأفارقة السود بدمجهم، وتتعامل مع بلدانهم الأصلية بالإملاءات والهيمنة وكما كان ليحدث في نيجريا من تدخل عسكري ادعاء لمناصرة الأقلية المسيحية رغم كون المسيحيين في البلد الأنجلو إفريقي غرب القارة السمراء ليسو أقلية نسبيا بنسبة ٤٩ إلى ٥٠  في المئة مسلمين تقريبا، مع غض الطرف عن التطهر العرقي في الهند ضد المسلمين وفي الصين ضد المسلمين الإيغور ومؤخرا في الهند أيضا ضد المسيحيين من رفض مظاهر الإحتفاء بالكريسماس، وقبله مساندة الأبارتيد الصهيوني ضد العرب المسلمين والمسيحيين على حد السواء في فلسطين، وصورة الإستعمار من الهيمنة العالمية لا تقتصر على الكيانات الكبرى مثل أوربا وأميركا بل إن زرعهم في الشرق والغرب والشرق الأدني والغرب الأقصى والشرق الأوسط من خلال إسرائيل يجني ما يجنوه، فإسرائيل تساند الحركة الإنفصالية في اليمن والصومال للسيطرة على المنافذ البحرية، وتسعى بجهد بالغ محسوب للتطبيع مع السعودية المسيطرة على تيران وصنافير حاليا في مدخل خليج العقبة المشرفة عليه إيلات أهم ميناء صهيوني والوحيد على البحر الأحمر، و سرقتهم لغاز شرق المتوسط و هيمنتهم على حقوله من ما جعلهم مرغمين أي اليهود على الصفقة المصرية، وعكس ما يظهر، فالجانب المصري هو الأكثر منفعة من الصفقة وما يفيد إسرائيل إلى جانب السعر العالمي للوحدة الحرارية عبور آمن للغاز المستولى عليه عبر مصر لأوروبا.

لعلي شرحت بإختصار خارطة التجارة العالمية والتي تسيطر عليها الدول الإمبريالية مع الشرح التاريخي المقتضب الذي بدأت معه جمع الأحداث إنطلاق من الأدب كفكر إنساني وليأت دور الأفكار المنازعة لهذه الهيمنة وكيف أن بعضها مسلوب لتلك الهيمنة وكيف أن بعضها ينازع نزاع المقاوم.

يكرس طه عبد الرحمن لحق الإختلاف في صناعة أفكارنا، 

إذ ينطلق من مبدأ روحاني كأكثر ما إنسلخ عن الحضارة الغربية وكأكثر ما دعم الحضارة الإسلامية حين كانت، في الروحانية تجد الوازع والتورع والتراحم كمقدمات للقانون والإنصاف والتعايش، أمور مازالت تجد فينا معطى لوجودها ونجد فيها حاجة لفهمنا أنفسنا، وهي بدائل نقدية ناجعة تطرأ على الذات فتقومها، وقبل أن تنحرف الذات فيقام عليها القانون والمحاسبة قِبل الآخرين، فأهم مافي الفلسفة الإسلامية هو العلاقة مع الذات والله، فإن للنفس علينا حق، فالوعي لا يظهر من الفراغ والعدم ولا يولد الإنسان فيصادفه الوعي في مرحلة عمرية معينة، أو نشريه إن كنا نقتدر، إنه هبة لا تتأتى إلا بالتراكم، تراكم التجربة و الخبرات ونقد الذات، النفس اللاوامة، وهو ليس منظور ديني بحت أو هو منظور ديني مقدس لا يسائل، بل هو منظور يسائل على الدوم ذلك لتحقيق القوامة التي هي بذرة النهوض والترقي، قوامة على النفس من ثم الآخرين … لكن بحق وبغرض وفرض.

يطرح طرابيشي رؤيته الحضارية خلا إيجاد الحل الوسط، أو مايتوسط تسلط الحضارة الغربية علينا و تسلط الحضارة الإسلامية فينا، لكني أى كان فلأن مجرد الحل الوسط الذي يطرحه طرابيشي يجعلنا محل الوضع الآني، فمن جاهل مهزوم إلى مثقف مهزوم لا فارق كثيرا، حقيقتا لابد لنا أن نعي الآخر ولا ننكفأ على أنفسنا، لكن هذا لا يحقق الغاية الحضارية إلا إن كان نابع من القدرة، أي الوعي بالذات أولا، من نقطة حضارية متقدمة حتى لو كانت تلك النقطة قائمة في النفس أولا، لأنه وحسب علي شريعتي نحن منسلبون إذ يسيطر علينا قهر رمزي وثقافة نفسية تكرس للإنهزام، وهذا الإنهزام ما جعل الوضع الإسلامي معقد لأنه يصدح بصوت خافت لا تسمح له الإمبريالية بالوجود، ومن مظاهر هذا الوضع ما يسمى بالإسلاموفوبيا، فهناك تعقيد في فهم هذا الإصطلاح ذاته، هل نحن كمسلمون نكون المرضى؟، أم نحن المرض ذاته ونظهر كعوارض في الجسد الغربي؟، وإلى ما يؤدي الإفهامين ؟، بالتأكيد يؤدي إلى النبذ والرفض لوجودنا من أساسة وليس فقط في الجسد الأوروبي الأميركي أو الغربي بشكل عام ولكن أيضا في مناطق نفوذنا الذاتي، من هذا المنطلق أجد أن مشروع طرابيشي حذق إلى حد كبير، أو دعوني أقول مشوه، لأنه وإن كان الآخر يريد إقصائنا من الوجود يحق لنا وكرد فعل للأسف إقصائه عن أفكارنا البسيطة ، ليس غباء وإستحمار ولا هو ردة للماضي، فالأفعال الإقصائية ليست في التعامل مع المنتج بتركه بل بإقصاء ثقافة الآخر عبر إنتاجنا الخاص خاصة وأننا لن نخترع البديل الصين الشيوعية، بل البديل يعيش فينا ونحن ننتمي إليه رغم عنا، وأي محاولة لإقصاءه وأي فهم يقول أن البديل خواء هو الغباء والإستحمار بعينه.

من السهل على أن أطعن في رؤية إبراهيم عيسى وألقى تعاطف ومساندة، بينما من الصعب أن أكتب عن مسالب الإستعمار وألقى إهتمام. مع أن السياق واحد.

يظن الناس أن مستوى عقولهم أكبر من التفصيل، إذ يريدون (الفولة) وما فيها كما يقال، يريدون عرض مختصر لكل شيء وكما يتابعون مقاطع الريلز، ومع هذا الموقف من الصعوبة أن تبني رؤية جامعة، فضلا عن هدف.

بفعل التشتيت والموقف الصلب يكون أهون التبريرات عدم الإهتمام، والحقيقة في ذلك هو عدم الدراية مع غياب المعرفة…

واجهت سؤال من النوعية التي توجهك إلى إجابة واحدة ومحددة.

ماذا لو لم يكن لأم في غزة سوى حمل أبنائها إلى الجانب المصري من رفح؟.

والإجابة أنها عليها أن تفعل إذ لا سبيل إلا هذا.

لكن إن غفلنا المواقف السياسية من رفض سياسي لدخول المرأة وأبنائها بدعوى عدم التهجير القسري نقول في ذلك، ما البديل الذي سوف تقدمه السياسة لتلك المرأة؟

لكن الأعمق من هذا، هل نسألها؟، هل تفكر في ذلك !، ربما فعلت لكن الغالبية العظمى من أمهات الغازيين يجدون هذا الحل هروبا من مسؤولية كبيرة، المرابطة أمر لا يدركه إلا هذا الصنف النقي من الناس، أو من كانت حياتهم لا تضاهي موقف الكرامة، أو من كانوا على قدر كبير من الوعي حيث التخلي عن مكتسبات إيمانية و معيشية  لإرتباط المفهومين ضمنين في سياق القيمة الوجودية، هذا التخلي يؤدي في الأخير إلى فقدان النفس، وعلى اي حال الموت يكون والهروب في سلة واحدة، الأول ليس بالإختيار والثاني فيه التفضيل، ومن حياء الإنسان السليم إذا ما تعرض للتفضيل يختار ما فيه الشرف والكرامة ويستقبل الجبر ليس بقلة الحيلة ولكن بقبول المآل.

هنا إختلفت الصيغة المنطقية من إختيار الحياة على الموت إلى قبول الموت عن الحياة على هامش التواجد.

عكس ذلك لا يمكن أن يبرر…

والأمر لا يختلف كثير في فيما أسمية(زائفة الإستقرار)، ففي المجتمع الهش تكون القيمة عنوان أسفله فضاء الهوى والرغبات الخاصة، وهذا عن المجتمع الجاحد، المجتمع الجاحد الذي كفر بكل قيمة يكون أكثر إستقرارا من مجتمع يضع القيمة في برواز على حائطة للتجميل والتزين، صدر أرويل تعبير قمة العمق في وصف مخاوفة، (لا أخاف إن منع الإنسان من وصف خوفة، أنا أخاف إن لم يستطع التحدث عن مخاوفه حتى بينه وبين نفسه) أو كما قال… وأسترسل المعنى الذي يبغيه أرويل،  والذي يفهم خلاله أن يكبل الإنسان ذاته، أن يكون الكتمان رغبة طاغية عن التأوه بالألم، ألا يكون الكبت إنذار بالإنفجار، بل صورة سلبية للإستقرار.

من الفداحة والمجون أن يُعتقد أن مجتمع قبل بموت أطفاله إنحرافا عن معايير السياسة، والتي تقتضي قبول القهر و تحين السلامة منه، بينما القهر متشعب يلقى فرائسة بالقصد و بالمصادفة ولا يرحم، وكما الملحد جاويد أختار يرى موت الأطفال في غزة تقصير من إلاههم، يرى المنسلب أن موت نفس ذات الأطفال تقصير من إيمانهم بالسياسة. الله رب العالمين خلقنا لعبادته والعبادة إختبار فينا من يرسب وفينا من ينجح، تعبير الإرادة الحرة هو ذاته هذا الإختبار، ذلك ونجد أن من يدعي التقصير في الإيمان بالسياسة يضعها محل هذا الإختبار، تبديل القيمة، لأنه ينفي الإيمان الحقيقي ويضع محلة معايير تناسبه. والأمر هو هو أن تقبل بلعبة الإستقرار وتقبل الطعن في أكباش الفداء المتطوعين لخدمة  الإستعمار ولا تستطيع دعني أقول الطعن في الإستعمار ذاته، برفض التفصيل في مسالبه حتى تدرك الوضع الحالي لك في خريطة الضياع تلك، فللإستعمار مرابطيه الموكلين بخدمته ، هؤلاء أولى بالمواجهة عن هذا الذي تطوع من تلقاء نفسه كإبراهيم عيسى ليعبر عن غباءه الذي بلا حدود، ولا يواجهه مرابطين الضلال إلا مرابطين يشعرون بعظم الإختبار.

إننا وتاريخيا ننسلب إلى أقصى الحدود حتى إذا ما فهمنا واكتشفنا في الأخير عدنا بفعل مقاوم ضعيف، هذا للشرفاء منا الذين إستوعبوا غبائهم الأول، كالشريف حسين بن علي، ماذا فعلت مقاومته للإنجليز ودفاعه عن فلسطين بعد بلفر، لاشيء سوى هروبه من بطش الوهابيين والدولة السعودية الوليدة حينها.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المنار الثقافية الدولية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading