Editor-in-Chief : Dr.Azher S Saleh


Almanar Cultural Journal

منتدى كتّاب المنار الثقافية الدولية
مقالات اجتماعية

القُبحُ سبعُ الأرواح – أسامة عكاشة

رجل أصلع يرتدي بدلة وقبعة، يجلس على كرسي ويكتب بقلم على ورقة، وخلفه مكتبة مليئة بالكتب.

إنَّ إلفَ القبيحِ مَهْلَكَةٌ صامتة، تُدَبِّرُ فَسادَ الحسِّ في الخفاء، وتُطفِئُ سِراجَ العقلِ من غيرِ ضجيج؛ إذ ما زالَتِ النفسُ تُطاوِعُ ما تُكاثِرُه، وتَأنَسُ بما تُديمُ النظرَ إليه، حتى يغدو المنكرُ مألوفًا، والشائنُ مأمونًا، والرديءُ كأنَّه من جملة الحَسَنِ المستقيم.

وما القُبحُ إذا استشرى في الجهات، وتسرَّب إلى الأسماعِ والعيون، إلا سُمٌّ مُرقِد؛ يُميتُ النفرةَ أولًا، ثم يُعطِّلُ الغيرةَ ثانيًا، ثم يَسلُبُ البصيرةَ آخرًا. فإذا ألفتِ العينُ المشوَّهَ لم تَعُد تأنَفُه، وإذا لانَ السمعُ للفُحشِ لم يَشمَئِزَّ منه، وإذا استوطنتِ النفسُ الرداءةَ حسبتِ النزاهةَ تكلُّفًا، والسموَّ تَعاليًا لا حاجةَ إليه.

فاهربْ من القبيحِ هروبَك من السَّبُعِ الضاري؛ فإنَّ الأسدَ إن افترسَ الجسدَ أوداهُ ساعةً، أمّا القبيحُ فإذا افترسَ الذوقَ والعقلَ أوداهما دهرًا. فارْتَحِلْ عن مجالسِ اللغوِ، وجافِ مواطنَ الفُحشِ، واعتزلْ الطباعَ الوضيعةَ؛ فإنَّ الطبعَ سَرَّاق، والخلُقَ عَدْوَة، وما جاوَرَ القبيحَ كريمٌ إلا انتُقِصَ من كِرامته، ولا صاحَبَهُ لبيبٌ إلا شُقَّ من فطنته.

واعلمْ أنَّ النفوسَ تُصاغُ بما تُخالِط، وتُقوَّمُ بما تُعاشر؛ فإن أنتَ رخَّصتَ للقبيحِ في أولِ الأمرِ عادَ عليكَ بالسلطانِ في آخره، وإن تساهلتَ معه ساعةً استبدَّ بكَ عمرًا. فلا تُهادِنِ القبحَ، ولا تُؤاخِه، ولا تُكثِرِ الالتفاتَ إليه؛ فإنَّ السلامةَ في القطيعة، والعافيةَ في النفور، والحياةَ كلَّ الحياةِ في أن يظلَّ الحسُّ يقظًا، والعقلُ أبيًّا، والذوقُ مُشْرِفًا على معالي الأشياء لا سافلِها.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المنار الثقافية الدولية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading